ظـــــاهرة الاستغـــــلال الجنسي للأطفــــال ـ أرضية أيام الشعلة للطفل موسم 2012 / 2013 ـ
إن المجتمع بمختلف مؤسساته وقنواته التواصلية ما فتئ ينتج من الخطابات الرسمية وغير الرسمية ما يؤكد باستمرار على أولوية الاهتمام بالطفل في أي مشروع اجتماعي أو سياسي أو تربوي يسعى إلى تجسيد القيم الإنسانية النبيلة، ويأتي ذلك في تجاوب تام مع مختلف مضامين المبادئ الكونية لحقوق الطفل وما ترتب عنها من اتفاقيات دولية أصبحت ملزمة للأفراد والجماعات بمختلف الدول والشعوب التي انخرطت في المصادقة عليها. إلا أن كل تلك الأطر النظرية لم يكن بوسعها أن تحد ميدانيا من تفاقم مشاكل الطفولة ومعاناتها التي لم تزدد إلا استفحالا وتنوعا وانتشارا في مختلف دول المعمور كما في المغرب أيضا وإن كان ذلك بتفاوت واختلاف حسب المستوى الحضاري والنمط الثقافي السائد لدى كل مجتمع على حدة، ولعل أبشع أنواع هذه المشاكل وأفظعها هو ما يتعلق بتنامي ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال بالنظر لما يترتب عنها من تداعيات وخيمة على أوضاع الطفل النفسية والصحية والاجتماعية أولا، ثم على أمن الأسرة واستقرارها الداخلي ثانيا، وصولا إلى الانعكاسات السلبية لكل ذلك على المجتمع برمته.
وفي هذا الإطار، فإن جمعية الشعلة للتربية والثقافة التي تعتبر قضايا الطفولة من أولى أولويات اهتماماتها من جوانبها التربوية والحقوقية والاجتماعية، فإنها ترى أنه من أوجب واجباتها اليوم أمام ما أصبحت تعرفه ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال محليا من اتساع لدائرتها وتنوع في أشكالها، ومن امتداد لآثارها سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، ولا أدل على ذلك ما ترصده المعطيات الوطنية من إحصائيات، ومنها على سبيل التأكيد ما سجلته خلية محاربة العنف ضد النساء والأطفال من معطيات حول الأطفال والقاصرين الذين تعرضوا لهتك عرض أو استغلال جنسي على مستوى مدينة الدار البيضاء من ارتفاع بنسبة %26 مقارنة مع نفس الفترة من السنة الفارطة 2011، لذلك ترى الجمعية أن من واجبها في إطار برنامجها السنوي حول أيام الشعلة للطفل، العمل على وضع برنامج وطني في هذا الشأن يمكّنها من الانخراط إلى جانب مختلف الفعاليات والمنظمات المعنية من العمل على مناهضة تنامي ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال؛ وليكن ذلك بعنوان:
أيام الشعلة للطفل لسنة 2012 / 2013
تحت شعار:
”لنتحد جميعا ضد تفشي ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال”
وتحقيقا لهذا الشعار، فإن جمعية الشعلة تقترح تصورا نظريا بمثابة أرضية موجهة لتناول الموضوع وإثارة النقاش ووضع البرامج ذات الطبيعة التحسيسية، وهو تصور يقوم على أساس المساهمة في الرفع من درجة الوعي الجماعي بمدى خطورة الظاهرة وتمكينه من آليات العمل على الحد منها إن لم يرق إلى مستوى محاربتها بشكل أداتي وعملي؛ وتحقيقا لذلك، نقترح على سبيل الاستئناس مجموعة من المحاور حتى يمكن الاستئناس بما جاء فيها في مختلف أنشطة الجمعية وبرامجها التي ستنصب على نفس الموضوع المتضمن في الشعار؛ وهي محاور نسوقها كالتالي:
أ / ما المقصود بالاستغلال الجنسي؟ في هذا الجانب نقترح الوقوف على مجموعة من المحددات للظاهرة، ومن ذلك، الجمعية الطبية الأمريكية (A M A) للاستغلال الجنسي التي تعرفه بأنه مجموعة من السلوكيات الجنسية تجري على الطفل في الوقت الذي يكون غير مستعد لها نهائيا، ولا يستطيع إعطاء الموافقة على ذلك ، وهو سلوك يتصف بالخداع واستعمال القوة والإجبار.
وبالمغرب، كان اليوم الدراسي حول الاستغلال الجنسي للأطفال الذي انعقد بالمعهد الوطني للدراسات القضائية بتعاون مع اليونيسيف بتاريخ 31 يناير 2003 ؛ من بين ما كان يهدف إليه تحديد المفاهيم والمصطلحات، وضبط المضامين، وكان من نتائج ذلك أن اعتبر الاستغلال الجنسي للأطفال من المفاهيم غير المحددة نظريا وإجرائيا، لذلك يصعب تعريفها، وترجع هذه الصعوبة إلى ارتباط تلك المفاهيم بالسياق الثقافي والاجتماعي والزمني الخاص بسلوك التعدي. ونعتقد أن هذا الاستنتاج سيكون له انعكاس على الأحكام القضائية في القضايا من هذا الصنف.
وللمقارنة، يمكن أن نطرح السؤال التالي؛ ما هو الاستنتاج الذي يمكن أن نخلص إليه عند مقارنة تناول مفهوم “الاستغلال الجنسي للأطفال” بين الجمعية الطبية الأمريكية والمعهد الوطني للدراسات القضائية؟؟
بـ / أنواع الاستغلال الجنسي للأطفال وأشكاله؛ من المهم جدا حصر مختلف أشكال وأنواع الاستغلال الجنسي بغية إشاعة المعرفة وترسيخ الوعي بمجالاته ودوافعه؛ ومن ذلك يمكن أن نعرض لبعض النماذج على سبيل الاستئناس لا الحصر؛
ـ سلوكيات الملامسة؛ ويعتمد فيها على التعرض لطفل من غير النيل منه، وإقحام الأطفال في موارد جنسية إباحية، وتعريضهم الجبري للأفعال الجنسية، وممارسة الجنس أمامهم…
ـ اللمس الجنسي للأطفال؛ ومنه المداعبة الجنسية، وجعل الطفل يلامس العضو التناسلي للبالغ، والتقبيل في المناطق الشّبقية للطفل بغرض جنسي…
ـ الاستغلال الجنسي بهدف مادي؛ ومنه استعمال الطفل لإنتاج فيلم أو صور إباحية جنسية بقصد المتاجرة فيها، استدراج الطفل للبغاء، الاتجار الجنسي بالأطفال والزّجّ بهم في عالم الدعارة…
ـ الاستغلال الجنسي التجاري؛ وهو مفهوم يضفي نوعا من التعويض عن العملية بحيث يصير واضحا غرض التربح منها؛ وهو يشمل دعارة الأطفال، أو تهريب الأطفال بغرض الاستغلال الجنسي، أو تجارة الصورة الفاضحة الجنسية للأطفال، كما تشمل كافة الأشكال التي تحتوي على ممارسات تهين وتهدر كرامة الطفل باعتباره ضحية جنسية. وفي هذا الإطار يعتبر إعلان المؤتمر العالمي ضد الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال والذي وقعت عليه 125 دولة من بينها المغرب، خطوة كبرى في مسيرة التصدي للظاهرة التي تبنّى المؤتمر التعريف التالي لها:(إنها فعل) “…يتضمن التحرش جنسيا بالفتية والفتيات ومحاولة دفعهم لممارسات جنسية نظير تعويضات مالية نقدية أو غير نقدية لهم أو لطرف ثالث، والذي يتم فيه معاملة الطفل كهدف جنسي وكهدف تجاري في آن واحد.”
و يمكن تقسيم الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال إلى أربعة أشكال متداخلة تقوم على الدعارة والتجارة والإباحية والتهريب.
ج / آثار الاستغلال الجنسي على نفسية الطفل وشخصيته وامتدادات ذلك إلى المحيط الأسري والاجتماعي؛ وينبغي التنبيه في هذا الصدد إلى أن الفريق المختص بمصلحة الفحص الطبي والقضائي لمباشرة الاعتداءات الجنسية والجسدية بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، يقسم الأطفال المعتدى عليهم جسديا إلى صنفين؛ صنف يشكل حالات الأطفال المصدومين والذين لا يتكلمون ولا يتجاوبون مع العلاج . وصنف آخر يتشكل من حالات لأطفال يتحدثون بتلقائية وكأن ما وقع لهم نوع من اللعب، خاصة حينما يكون الجاني ممن لهم سلطة على الطفل، أو أنه يستغل سذاجته وضعف تمييزه وعدم إدراكه لخطورة الموقف، وينساق، دون استيعاب منه لما لتلك الممارسات من آثار وخيمة بسبب ما تشكله من عنف جنسي سيكون من نتائجه بروز الكثير من الاضطرابات النفسية والسلوكية في صفوف ضحاياه، فقد يصير الطفل الضحية أكثر عرضة للإحباط والاكتئاب بحيث قد يؤدي به الأمر إلى الانتحار للتخلص من معاناته الداخلية، أو يوجه دوافعه العدوانية إلى الآخر وإلى المجتمع ككل. كما يمكن للطفل المستغل جنسيا أن يفقد الإحساس بطفولته ومعها يفقد البراءة في التعامل مع الآخرين من الكبار، وينتهي به الأمر إلى فقدان الإحساس بالكرامة وقيمة الذات مما ينعكس على أدائه الدراسي حيث تضعف لديه القدرة على التركيز في الفصل وخارجه الشيء الذي ينتهي به إلى الفشل والضياع.
وهكذا، فهؤلاء الأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي تحدث لديهم شروخ عميقة يصعب طمس معالمهما، ولا التكهن بعواقبها النفسية والاجتماعية، إذ قد يتحول جزء من هؤلاء الأطفال إلى معتدين جنسيا على أطفال آخرين حينما يكبرون بدورهم، وهم في نفس الآن ينتقمون لأنفسهم ويتحولون بسبب ذلك إلى منحرفين يمارسون مختلف أنواع الشذوذ. لكل هذا، يمكن القول بأن الاستغلال الجنسي للأطفال هو مرض نفسي وهو أيضا جريمة يعاقب عليها القانون. لذلك، كان لابد للمجتمع بمختلف فعالياته التربوية والاجتماعية والحقوقية والقضائية من البحث عن طرق واضحة للدفاع على حقوق الطفل وحمايته من الاستغلال الجنسي ومتابعة الفاعلين، فما هي إذن، تطلعات وآفاق عمل المشرع المغربي للحد من ظاهرة الإفلات من العقاب، ومحاربة ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال؟؟
د / القانون المغربي في مواجهة الاستغلال الجنسي للأطفال؛ القانون في الدول الغربية الديمقراطية أكثر صرامة وتشددا في القضايا المتعلقة بالاعتداء والاستغلال الجنسي للأطفال والقاصرين. وفي مقابل ذلك فإن المشرع المغربي يولي اهتماما بحماية الطفل وضمان سلامته البدنية وصحته النفسية والروحية والاجتماعية، وتحصين شخصيته من أي تلاعب عن طريق تجريم جميع أنواع الإساءة الأخلاقية التي تستهدف الطفل بدءا بمجرد الإشارة البذيئة التي ترتكب على مرأى من الطفل، وانتهاء بالاعتداء عليه جنسيا، إلا أن المشرع المغربي يعود بتأثير من الصعوبة التي سبق الحديث عنها، فيعتبر من أجل الإثبات بالنسبة لضحية دون سن15، فيرى أنه لابد من قرينة تبوتية قاطعة بعدم رضا الطفل لجعل جريمة هتك العرض على عاتق الفاعل وحده.(مركز الاستماع والإرشادات للنساء ضحايا الاعتداء)
وتتوزع في التشريع المغربي المقتضيات التي تعالج موضوع الاستغلال الجنسي بين عدة مجالات من أهمها؛
1 / القانون الجنائي بمجموع 7 فصول تبتدئ بالفصل 483 إلى 499 بالإضافة إلى الفصل 500، وتصل أحكامها من شهر إلى 20 سنة وقد تصل إلى ثلاثين سنة في حالات محددة
2 / قانون المسطرة الجنائية، ومن أهم فصولها الفصلان 751 و 752 وهما يستندان على بعض فصول القانون الجنائي من أجل متابعة الأجنبي الذي ارتكب جنحة أو جناية ضد طفل عمره 16 سنة بإصدار مجرد أمر بإيداع الطفل المجني عليه لدى جهة جديرة بالثقة إلى أن يصدر حكم قضائي حول هذه الجنحة أو الجناية.
3 / القانون المتعلق بإنتاج أشرطة فيديو رقم 17 / 94 ؛ يؤكد الفصل 11 من هذا القانون على أن كل من يستغل لأغراض تجارية أشرطة فيديو مبرمجة لا تحمل تأشيرة المركز السينمائي المغربي يعاقب بغرامة، ونصت الفقرة الثانية منه على معاقبة مرتكب الجنحة بحبس يتراوح ما بين شهر واحد وستة أشهر إذا كانت الأشرطة المعنية مخلة بالآداب أو نظام الأسرة أو النظام العام.
وعلى الرغم مما يبدو من تشديد للمشرع المغربي على العقوبات في حق مرتكبي الاعتداء والاستغلال الجنسي على الأطفال، فإن هذه الجرائم في أحيان كثيرة تواجه فراغا قانونيا، وتطرح مشكلة صعوبة إثبات الجريمة نظرا لوقوعها، في غالب الأحيان، بعيدا عن شهود عيان وعدم تركها لآثار جسدية يمكن تأكيدها بالشهادة الطبية، وحسب صنف المعتدي إن كان شخصا قريبا من الطفل الضحية ويخاف غضبه أو الابتعاد عنه أو معاقبته. لهذا فكثير من القضايا من هذا الصنف يتم السكوت عنها على الرغم من عدم القدرة على طمس معالمها ومحو آثارها .
وهكذا فلقد حاولنا بناء هذه الأرضية حول ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال، بشكل يعكس هول الظاهرة كممارسة مشينة، وشدة تأثيرها على المجتمع أفرادا وجماعات، وقوتها كفعل من شأنه أن يخرق القيم الثقافية ويفكك التماسك الاجتماعي ويهدر الكرامة الإنسانية.
وبالنظر لتعدد مكونات الظاهرة واتساع دائرتها فإننا نقترح توجيها منا لما سيقام على ضوء هذه الأرضية من فعاليات فكرية وأنشطة تحسيسية ميدانية، مراعاة التعدد في الفعاليات المشاركة بحيث تتوزع بين مختلف الاختصاصات والحقول المعرفية ذات العلاقة بالعلوم الإنسانية من علم نفس وسوسيولوجيا وعلوم قانونية وكذا منظمات حقوقية مختلفة …، على أن تتوزع إسهاماتها ذات الطبيعة النظرية بين التمفصلات التالية للظاهرة:
1 / ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال بين الاصطلاحات اللغوية والدلالات المفهومية؛
أي موقع للمكون الثقافي في تحديد المفهوم وتطويع التحكم فيه اجتماعيا وقضائيا؟
2 / إسهامات ترصّدية ذات طبيعة تشخيصية لمختلف أشكال وأنواع وألوان الظاهرة؛
أية علاقة بين رصد الأسباب البارزة والخفية للظاهرة وإمكانيات المعالجة؟
3 / ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال وانعكاساتها على شخصية الضحايا ؛
أي آثار للظاهرة على صحة الطفل العقلية والنفسية والاجتماعية؟ ما السبيل إلى الحد من أضرارها ومضارها على الفرد والمجتمع معا؟
4 / ظاهرة الاستغلال الجنسي بين النصوص التشريعية وأحكام القضاء.
كيف للتشريع المغربي أن يزاوج في أحكامه بين الخلفية الثقافية والجوانب الإنسانية؟ أليس بإمكان القضاء الاستئناس بمختصين في علم النفس وعلم الاجتماع من أجل الانفتاح على المفهوم في بعده الكوني؟